المحتوى

0 – تقديم                                               6

1 – التصورات الأولية                              10        

2 – تحليل عناصر الربا                            14                                    

3  – الإيداع المصرفي                             17                                         

4 –  التوظيف المصرفي                           24

5 – الخدمات المصرفية                            36          

6 – العاملون في البنوك                            38

7 -البنوك الإسلامية                                40

8 – خاتمة                                              50

 [0]

تقديم

  • الغرض من هذه الدراسة هو محاولة تحليل دور البنوك وفقا لحاجة المجتمع إلى وظائفها الحالية ومدى توافق هذا الدور مع أحكام الشريعة السمحة . ويستهدف التحليل في المقام الأول مواجهة المخاوف الناجمة عن سوء الفهم والاستيعاب وأيضا عدم التواصل بين نوعيات المتخصصين .
  • تستند الدراسة الحالية في مجملها – بشكل سافر غالبا وضمني أحيانا – إلى بعض المحاور الأساسية للمدخل الإستراتيجي وبالتحديد :

* المصالح المرسلة وتقوم على المنافع الخاصة والعامة للأفراد والمجتمع . ويستند قياس هذه المنافع بصفة عامة إلى دالة الرفاهة الاجتماعية Social Welfare Function  ، وما يشتق منها من دوال التخصيص الأمثل للموارد الاقتصادية على أساس التحليل الحدي وسلاسل القيمة المضافة …

* الرؤى Vision بعيدة المدى من أهداف واستراتيجيات ، والتي ينبغي ترجمتها بشكل متماسك عضويا إلى قوائم تفصيلية من المهامMission  أو الأنشطة متوسطة وقصيرة المدى .

* مقاومة الاحتكار والاستغلال وإفساح المجال لدعم وتشجيع البيئة التنافسية من خلال : أدوات الرقابة / والحوكمة Governance / والإفصاح والشفافية التامة .

* يستند استخدام الآليات المشار إليها  فى دراسات تقدير موقف SWOT شاملة والتي تنطوي بصفة عامة على تقييم نقاط القوة / والضعف / والفرص المتاحة / وأيضا التهديدات المحتملة من المنافسين والبدائل ؛ وذلك بهدف تمكين البنيان التنافسي من توفير عناصر التمايز في الجودة / والابتكار / والتوسع المضطرد / وبرامج خفض التكلفة . 

  • وعلى ضوء هذا تم تحليل التصورات الأولية في هذا المجال إلى عناصرها الأولية ، كما تم اختبار مدى انطباقها على محاور أعمال البنوك وهى بالتحديد :

            *الإيداع المصرفي

            *التوظيف المصرفي

            *الخدمات المصرفية                                                                                                                                        

 ومن ناحية أخرى يمتد التحليل ليطبق على العاملين في البنوك ؛ وأيضا أعمال البنوك الإسلامية بمعناها  الحالي .

      والله نسأل أن يتقبل منا دائما اجتهادنا خالصا لوجهه سبحانه وتعالى وألا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا .

   [1]

التصورات الأولية

   تدور المنطلقات الأولية التي تستند إليها الدراسة الحالية حول التصورات التالية :

1.1 أولا –  نقر بوضوح ومنذ البداية بحرمة الربا وعدم مشروعيتهاعلى جميع الوجوه ، وفي كافة الأديان السماوية . والقول بغيرهذا يخرج بنا عن مقاصد الشريعة وصحيح الدين .

” وما أتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما أتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ”        الروم 39

 ” الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا … ”                البقرة / 275  

” يمحق الله الربا ويربي الصدقات … ”                                                          البقرة 276

 ” يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين *  فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ”         البقرة 278 / 279

” وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم … ”            البقرة 280

  2.1  ثانيا –  الأصل في الأشياء الإباحة والتحريم لا يكون إلا بنص لا يجوز التوسع فيه إلا بقياس دقيق  ( مثل المخدرات بالقياس إلى الخمر … ) . وإذا كانت كل الطيبات قد أحلت لنا ، فإنه لم يحرم علينا سوى الخبائث .

      ” قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم … ”                                                                        الانعام / 151

” قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق …”           الأعراف / 32                        

3.1  ثالثا – التعريف الدقيق الذي يمكن أن ينصرف إليه الربا المحرم  هو ” استغلال عجز المرء عن سداد مديونية  نشأت عن تلبية احتياجاته الضرورية  بحيث يترتب عن هذا العجز أو التخلف عن السداد تضاعف المديونية ” . ويبدو من استعراض آيات الربا انها اقترنت دائما بالزكاة والصدقة ، بما يعني تفضيل تحولها إلى صدقة .  وينصرف أساس التحريم إلى عدم استغلال ضعف المدين الذي يتجلى هنا مرتين على الأقل : الأولى عند اضطراره إلى اللجوء إلى الاقتراض لسد احتياجاته الأساسية بدلا من السداد الفوري ، والثانية عند عجزه  – والذي قد يتكرر – عن سداد مديونيته  ” أتقضي أم تربي ؟ ” .

” يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة … ”               آل عمران / 130  .

          وربما يتسع التعريف ليضم أى زيادة فى المديونية نتيجة العجز عن السداد وليس بالضرورة المضاعفة الفورية للمديونية كما كان معروفا في وقت التحريم .

          وقد كان هذا المفهوم ينطبق في عصر التحريم على كافة معاملات الإقتراض السائدة في ذلك الوقت ، بينما كان التمويل الإنتاجي يقتصر على المشاركات المباشرة . أما الائتمان الإنتاجي وخلق النقود كمحرك للنشاط الاقتصادي ، والفصل بين الملكية والإدارة في مجال الأعمال فهى  معان مستحدثة تماما في ظل مفاهيم صناعة وتكنولوجيا التمويل المعاصرة .

     ومن ناحية أخرى إذا كان جمهور الفقهاء باختلاف مذاهبهم قد أجازوا بوضوح مبدأ ” أن للأجل حصة في الثمن ” ( سيد سابق – فقه السنة / الجزء الثالث ص 242  ) ؛ فإن هذا يعني ببساطة أن للتمويل تكلفة يتعين إدراجها ضمن هيكل عناصر التكلفة الإجمالية للمنتجات . ومن ناحية أخرى فإن الزيادة يمكن أن أن تعد تعويضا جزئيا أو كليا عن تدهور القوة الشرائية للنقود ؛ حيث سداد الودائع أو الائتمان بنفس القيمة الإسمية لا بد وأن ينطوي على ظلم للمودغين أو المقرضين في خالة ارتفاع الأسعار التي تعني تراجع القوة الشرائية للنقود   ” فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ”         البقرة  279

    وهذا كله يصلح لأن يكون أساسا للمشروعية في كافة أنماط الائتمان الإنتاجي ، بل وربما غير الانتاجي أيضا فيما عدا تمويل الحصول على الضروريات .

 

[2]

تحليل عناصر الربا

          يمكن وفقا للمفاهيم المشار إليها تحليل أركان عملية  الربا إلى العناصر التالية :

 1.2 العنصر الأول –  الاحتياجات الضرورية

          يشترط لعلاقة الربا أن تكون  استيفاء”  لاحتياجات الفرد الضرورية والملحة وغير القابلة للتأجيل من الاستهلاك النهائي ( مأكل / ملبس / مأوى …) . ويخرج عن هذا النطاق الكماليات والميسرات وأيضا تلك القابلة للتأجيل لحين توافر الموارد اللازمة  لها .  ومن ناحية أخرى لا يدخل في هذا النطاق الاستهلاك الوسيط  من مستلزمات الإنتاج أو  المعدات .

 

  2.2  العنصر الثاني – المدين

          ويمثل الجانب المقترض الذي ينبغي أن يكون شخصا طبيعيا وذلك في نطاق وظائفه الاستهلاكية والضرورات الملحة .

3.2  لعنصر الثالث –  الدائن                                                                                                   

ويمثل الجانب المقرض الذي لا يشترط أن يكون شخصا طبيعيا . وهو يقوم بتوفير الاحتياجات المشار إليها في البند الأول سواء كبائع بالأجل أو مجرد ممول لها . ويشترط أن تكون له اليد العليا في التعامل بحيث يمكن أن يتحول إلى متصدق ؛ على ضوء خاصية قابلية تحول العلاقة  من بيع أو إقراض إلى صدقة .                   

” يمحق الله الربا ويربي الصدقات  … ”  البقرة / 276                                             

  ” وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون ” البقرة / 280

وما أتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما أتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ”                   الروم 39

 4.2  العنصر الرابع –  الأجل                                                                                                             

          ويمثل فترة الإمهال التي يمنحها البائع أو المقرض للمشتري  أو المقترض . وتكون عادة محددة يستحق السداد بنهايتها أو خلالها تدريجيا .                                                                                                               

5.2  العنصر الخامس  الزيادة                                                                                                  

          في حالة تخلف المدين عن السداد في نهاية الأجل المحدد يتم مضاعفة قيمة القرض المستحق ، او زيادته بأي قيمة أخرى يفرضها المقرض . 

  [3]

الإيداع المصرفي

يستفيد الشخص الطبيعي أوالاعتباري من وظيفة الإيداع المصرفي على النحو التالي :

1.3  أولا – الودائع الجارية

1.1.3  ويحتفظ فيها بأرصدة التشغيل والاستخدامات اليومية والمتكررة ، وتكون عادة بدون عائد إلا في حالات استثنائية وبشكل محدود للغاية . وبالرغم من إمكانية توظيف البنوك لجانب لا يستهان به من هذه الودائع ، إلا أنه يمكن اعتبارها ضمن وظائف الخدمات المصرفية بتأمين الاحتفاظ بالأموال وتسهيل تداولها ؛ أكثر منها ضمن وظيفة الإيداع المصرفي . وهى وظيفة مشروعة تماما ولا غبار عليها حيث تحقق الأمان والسيولة للمودع بالرغم من أن البنك لا يتقاضى عنها أى مقابل تقريبا .  كما أنها تقوم بالتفعيل النسبي  لإستغلال جانب من هذه الودائع  لصالح المجتمع والاقتصاد القومى .

2.3 ثانيا – الودائع الادخارية

1.2.3  يقوم الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين بإيداع فائض السيولة لديهم في الأوعية الإدخارية بالبنوك مقابل عائد محدد  ( ودائع لأجل / بإخطار / شهادات … ) في حالات :

( ا )  ضآلة حجم المدخرات نسبيا بالمقارنة بالحد الأدنى للإستثمار وخاصية عدم قابليته غالبا للتجزئة      Indivisibility .

( ب ) عدم توافر الخبرة والمعرفة الفنية للتوظيف والاستثمار المباشر لدى المدخرين .

( ج )  عدم توافر الوقت اللازم للإستثمار المباشر .

2.2.3   وبتطبيق  أركان الربا على وظيفة الإيداع المصرفي لا نجد أدنى تماثل فيما بينهما :                         ( ا ) فهو لا يتم استيفاء ” لاحتياجات   ضرورية ” .

 (ب)  مسار العلاقة يبدو معكوسا حيث أن الدائن –  وهو هنا المودع – هو الذي يطلب قبول إيداع أمواله لدى البنك . وبالرغم من أنه هنا الطرف المدين  إلا أنه يمثل الجانب الأقوى أو اليد العليا في العلاقة . وبذا فأن  خاصية قابلية التحول إلى صدقة لا يمكن أن تنطبق على هذه الحالة ؛ فليس من المتصور أن يتنازل المودع للبنك عن أمواله على سبيل الصدقة .  

(ج) يقوم الدائن بالتنازل المؤقت عن سيولته مقابل عائد محدد . والتحديد هنا نسبي ، حيث تعيد البنوك النظر فيها باستمرار وفقا للمتغيرات الاقتصادية ؛ كما أنها تفضل تعويم معدلات الفائدة لنفس الوديعة على فترات دورية حتى تتمشى مع تقلبات عوائد التوظيف . ولاتلجأ إلى التحديد إلا استجابة لمطالب العملاء ، وهو ما  يستدعي اجراء عمليات مهنية تعرف بالتحوطHedging  لمواجهة الالتزام بدفع فوائد ثابتة مقابل تقلبات متوقعة في عوائد التوظيف . ومع ذلك فإن التحديد في حد ذاته ليس سببا لتحريم الربا ، بل ربما كان هو الأقرب إلى روح  العدالة والمشروعية ( د. سيد طنطاوي – معاملات البنوك وأحكامها الشرعية ، ص 137 وما بعدها ) . ويمكن أن يعزى هذا إلى أن الطرف الدائن المودع هو الجانب الأضعف في عملية الإيداع ، وهو مغيب تماما عن عمليات التوظيف والمتابعة  .  لذا فإنه يتعين حمايته من خلال تحديد معدل العائد بالاستناد إلى مؤشر مرجعيBenchmark  Rate    في دوال التخصيص الأمثل للموارد الاقتصادية ؛ وهو يعبر بالتحديد عن الكفاية الحدية للإستثمار التي تشير إلى إنتاجية المستثمر الحدي ( وهو آخر منتج يحق  له الحصول على الأموال عند ترتيبهم وفقا لجدارتهم الإنتاجية ) في عملية تخصيص الأموال للإستثمار .

  ” ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما … ”                       النساء  / 5 

ويعد هذا المؤشر  الذي يعبر عنه بسعر الفائدة  سعرا لأحد عناصر الإنتاج  التي لا بد وأن يتم  تحديد أسعارها قبل الشروع في العملية الإنتاجية . وعندما يحقق المنتج نتائج إيجابية تزيد بشكل ملموس عن تكلفة عناصر الإنتاج مقومة بإنتاجيتها الحدية – وهو السعر العادل لها –  فإن الأقرب للعدالة أن تؤول  هذه الزيادة إلى جدارة المنتج وتكون من حقه .  

ولا يعني تحديد أسعار الفائدة  ضمان حصول المودع عليها دون مخاطر ، وإن كانت منهجية صناعة الوساطة المالية تقوم على إدارة المخاطر من خلال توفير المعلومات وتنويع عمليات التوظيف سواء من حيث الأنشطة / الأقاليم / الآجال / الأدوات / العملات …  وهذا  يؤدي إلى تخفيض – وليس استبعاد – مخاطر التعثر إلى حدودها الدنيا والتى تعد تكلفة عادية ومن طبيعة النشاط .  أما في حالة التعثر الشامل للبنك – وهذا يحدث بالفعل –  فإن المودع لن يتعرض فقط لضياع العائد بل وربما أيضا جانب من أصل وديعته  .                                               

          وعندما تزعم البنوك الإسلامية عدم تحديد  معدلات مسبقة  للعائد على الودائع ؛ فإن هذا يحرمها من مؤشر مرجعي تحتاج إليه في كل أعمالها  . وإن كانت تعتمد بالفعل ضمنا على        ” تكلفة الفرصة المضاعة ” وهى الأسعار السائدة لدى البنوك المنافسة التي ربما تعتبرها غير إسلامية . وفي معظم الأحوال  تعمد إلى توزيع عوائد للودائع مقاربة إن لم تكن مطابقة لأسعار الفائدة السائدة في الوقت الذي تعلن فيه للمساهمين عن نتائج أعمال سلبية أو مختلفة تماما عن معدلات عائد الودائع . 

3.2.3   إذا كان قد تبين  من التحليل السابق أن الإيداع المصرفي خال من شبهة الربا ؛ فإننا نريد أن نذهب أبعد من هذا إلى أنه ضرورة وواجب بالاستناد إلى القاعدة الشرعية ” لا ضرر ولا ضرار ” و ” حيثما تكون المصلحة فثم شرع الله ” ، من خلال دفع الضرر وجلب المنافع :

(ا) الإيداع المصرفي نتيجة لعدم توافر الحد الأدنى للإستثمار / الخبرة / الوقت بهدف دفع ضرر هو”كنزالمال وحبسه عن التداول والتشغيل “، وهو مقطوع بحرمته ومن الكبائر .                                       

” … والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم *  يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ” التوبة 34 / 35

(ب) جلب المنفعة من خلال رفع الكفاية الحدية للمستثمر ذو السيولة الفائضة من الصفر        ( بسبب الفائض ) إلى المستوى الحدي لكفاية الاستثمار الذي يضمنه الإيداع المصرفي .

(ج) إتاحة مال الودائع للإستثمار الفعال بما يخلقه من سلاسل  للقيمة المضافة Value Chain  فوق المستوى الحدي وفقا لدوال التخصيص الأمثل للموارد والرفاهة في المجتمع .

  

[4]

التوظيف المصرفي

  1. 0 إذا كانت ودائع العملاء تتراوح فيما بين 80 – 85 % من إجمالي مصادر أموال البنوك ، فإن النسبة المتبقية التي تساهم بها حقوق الملكية والمصادر المساندة الأخرى تعد مجرد هامش أمان لتغطية المخاطر . وبذا فإن التوظيف المصرفي ينصب أساسا على أموال المودعين بما يقتضي قدرا كبيرا من التحوط والحذر . ويتم فنيا استخدام تعبير مجازي هو المحافظ Portfolios للدلالة على خاصية التنويع في إدارة المخاطر ، وبهدف تخفيض درجة التعرض لها . وهناك بالتحديد ” محفظة القروض ” و ” محفظة الأوراق المالية ”  .

1.4 محفظة القروض

 1.1.4  لا يعد الإقراض المصرفي ” اتجارا بالنقود ” كما يدعي البعض ، بل ينطوي بالفعل على عملية ” تصنيع  للائتمان والسيولة ” “Manfacturer of Credit & Liquidity .  فالوحدات النقدية للودائع مجرد خامات أولية تختلف تماما عن الوحدات النقدية للقروض التي يكون قد تم صقلها بسلسلة من المعارف الفنية والخبرات والمعلومات اللازمة لتحديد الجدارة الائتمانية ثم المتابعة المصرفية بعد المنح . وهذا يستند حاليا إلى الأساليب المتقدمة من تكنولوجيا المعلومات والاتصال في شبكة مترامية ومتدرجة هرميا Hierarchical Worldwide Netwrk ً     من قواعد للبيانات  / المعرفة ، والتي تمثل في  مجموعها الحالة المهنية الراهنةState of Art  لتكنولوجيا التمويل المعاصرة . 

2.1.4  تضم محفظة القروض تنويعات من القروض والائتمان تتباين فيما بين  الأنشطة / الأقاليم / الآجال / العملات … ويهمنا هنا فقط تمييز الائتمان الاستهلاكي خاصة للضروريات والذي يمكن أن تنطبق عليه أركان شبهة الربا التي أشرنا اليها ، وجميع الحالات الأخرى للائتمان الاستهلاكي لغير الضروريات الحالة أو الائتمان الانتاجي . وفي الأخير يتم تمويل جانب من احتياجات المنتج الذي يقوم بالمزج بين عناصر الانتاج بنسب تحددها تكنولوجيا المعرفة الفنية . ويتولد عن العملية الإنتاجية قيمة مضافة تعبر عن الفرق بين تكلفة المدخلات من عناصر الإنتاج مقومة  بالسعر العادل لها وهو إنتاجيتها الحدية ، وقيمة المخرجات مقومة أيضا بسعرها العادل ويقابل منافعها الحدية . وكل عناصر سلاسل القيمة هذه ينبغي أن تكون محددة سلفا حتى يمكن تحديد عوائد عناصر الإنتاج ودراسة الجدوى الاقتصادية للعملية الإنتاجية .

3.1.4  إذا كانت شبهة الربا يمكن أن تلحق بالائتمان الاستهلاكي  للضروريات الحالة ، وهى لاتمثل إلا جانبا ضئيلا بل وغير محبذ من الائتمان المصرفي . ويمكن تخطي هذه الشبهة من خلال تخصيص 1% فقط من ودائع العملاء لإنشاء ما نقترح تسميته ” صندوق ميسرة ” يقدم كقرض حسن بدون فوائد لتمويل الاحتياجات الضرورية ويكون قابلا للتحول إلى صدقة بضوابط محددة . ويمكن تدبيرهذه الموارد من الاحتياطي الإلزامي الذي تودعه البنوك لدى البنك المركزي بدون مقابل         ( بالنسبة للودائع بالعملة المحلية ) وتبلغ نسبته حاليا 14%من اجمالي ودائع العملاء .

ولا  يمكن أن ينطبق هذه المعالجة على باقي أنواع الائتمان ؛ حيث لا تتوافر خاصية استغلال الاحتياجات الضرورية وقابلية التحول إلى صدقة . كما أن موقف  تمويل  العملية الإنتاجية يماثل تماما مساهمة باقي عناصر الإنتاج .

4.1.4  إذا كان قد تبين لنا أن معظم شرائح الائتمان المصرفي تخلو تماما من شبهة الربا ، فإننا نود أن نذهب هنا أيضا إلى أبعد من هذا بأنه أجلب للمنفعة وتحقيق الرشد الاقتصادي :

( ا )  تمكين قيام بعض الأنشطة ذات الجدارة الإنتاجية بما تؤدي إليه من خلق سلاسل  للقيمة المضافة .  وفي  حالة غياب الائتمان المصرفي  كان يتعذر بالفعل تنفيذ مثل هذه الأنشطة .

 (ب) يحقق  الائتمان  المصرفي  مرونة  ورشدا أكبر في التمويل  حيث يمكن من توفير التوازن في هيكل التمويل الذي ينطوي على تحقيق نوع من التزامن Synchronization فيما بين آجال مصادر التمويل والاستخدامات . وبذا نتلافى أنماط الخلل السائدة في هياكل التمويل ، مثل تمويل استخدامات مؤقتة أو قصيرة الأجل بمصادردائمة أو طويلة الأجل بما يمثله من إهدار لهذه الموارد .

 ( ج )  يحقق التمويل بالائتمان بصفة عامة نوعا من التجنب الضريبي المشروع   Tax  avoidance  ، حيث يمكن خصم تكلفة التمويل من الوعاء الخاضع لضريبة الدخل ؛ بينما تخضع لها  بالكامل عوائد التمويل بالموارد الذاتية .                                                                                  ( د ) يحصل المقترض على استشارة مالية متخصصة وبشكل مجاني تماما عند تصنيف جدارته الائتمانية للحصول على القرض المصرفي . ويستمر هذا الدعم الفني  أثناء عملية المتابعة وذلك بعد حصوله على القرض  ؛ حتى أنه يقال في هذا المجال ” إذا لم يتم قبول المشروع مصرفيا Bankable  فإنه ينبغي عدم إقامته على الإطلاق ” .               

( هـ )  توفير رافعة متوازنة  للتمويل Financial Leverage   (وتعني نسبة المزج فيما بين الموارد الذاتية والاقتراض ) ، وذلك بالتناسق مع آجال الدورة النقدية للاستخدامات . فالمشروع الذي يكون ممولا بالكامل بموارد ذاتية  ( رأس المال والاحتياطيات ) ينطوي على خلل تمويلي فادح هو الإفراط في الرسملة  Overcapitalized                                 بما ينطوي عليه من إهدار جانب من الموارد الدائمة في الاستخدامات قصيرة الأجل . كما أن ميل الرافعة الزائد نحو الإقتراض خاصة لتمويل الاستخدامات الدائمة يمكن أن يؤدي إلى زيادة درجة ” الانكشاف للمخاطر                             Risk Exposure عندما يتحمل بأعباء تمويل ثابتة تجاه عوائد مرتقبة .                                                                                                           

 ( و ) تنطوي الجدارة الإئتمانية للمقترض  بالضرورة على نتائج إيجابية ملموسة بالمقارنة بالكفاية الحدية للاستثمار معبرا عنها بتكلفة الاقتراض ( وهى تعادل متوسط تكلفة الودائع + علاوة مخاطر تختلف وفقا للأنشطة الممولة + هامش لأتعاب البنك ومصروفاته ) . وهذا يعني أن المشروع يمكنه أن يحصد عائدا ليس فقط مقابل مساهمته في العملية الإنتاجية بالموارد الذاتية ، بل وأيضا بمقدار الفرق بين معدل عائد المشروع وتكلفة الإقتراض بنسبة مساهمة شريحة الاقتراض في رافعة التمويل ، وهو ما يطلق عليه ” المتاجرة بحقوق الملكية  “Trading on the Equity

( ز ) تقوم دراسات الجدارة الإئتمانية – التي تستند كما رأينا إلى التفوق الملموس لعائد المشروع على تكلفة الإقتراض – على المعدلات المتوقعة والسائدة على ضوء الخبرات المتاحة . ومن المستبعد أن تجيء  النتائج الفعلية مخالفة بشكل ملموس لهذه التوقعات بالنظر إلى التحفظ الشديد الذي تعد على أساسه هذه التوقعات . وفي الحالات المحدودة نسبيا للتعثر يكون للبنك المقرض دورا ايجابيا في تعويمها سواء بالدعم المالي في إقراض   جديد ، أو الاستشاري بخبراته الفنية … وإذا تطور  الموقف إلى الفشل النهائي فإن هذا يمكن أن يعد من التكلفة العادية للنشاط طالما أنه في الحدود المتعارف عليها . ويتم تنفيذ هذه الآلية عادة تحت الإشراف والرقابة الفنية للبنك المركزي . أما إذا كان التعثر شاملا سواء بسبب سوء الإدارة أو الأزمات الاقتصادية فلا بد وأن يلحق هذا التعثر بالبنك . وإذا تجاوز حجم التعثر حقوق الملكية والمخصصات المحتجزة لدى البنك ، وأيضا تعويضات أنظمة التأمين على الودائع ، فإن هذا التعثر لا بد وأن يلحق بالمودعين . وبذا تكون كافة الاحتمالات واردة لا يمكن استبعاد أي منها بشكل نهائي ، ويمكن فقط تقليل احتمالاته بالأساليب الفنية  لإدارة المخاطر وتوفير المعلومات  اللازمة .  ونقترح استكمالا للنسق الإسلامي في هذا المجال إنشاء تنظيم تعاوني مشترك فيما بين البنوك باسم  ” اتحاد تأهيل الغارمين ”  يتبنى برامج الاصلاح الاقتصادي للمشروعات المتعثرة على اختلاف درجاتها من إعادة هيكلة / أو إعادة تأهيل / أو إعادة هندسة / أو حتى التصفية . ويمكن أن يأتي هذا التنظيم على غرار” اتحادات رأس المال المخاطر ” Venture Capital Associations وهى صناعة بدأت في الانتشار مؤخرا . وإذا كان يطلق علي القائمين بها أحيانا ” ملائكة الأعمال Business Angel “؛ فإن هذا يرجع إلى أنها تتصدى فقط للاستثمارات عالية المخاطرمثل الابتكارات والمشروعات متناهية الصغر، أما نشاطها الرئيسي فيتمثل في استخدام التقنيات المستحدثة بهدف إقالة التعثر والتعويم المالي والفني  للغارمين  . ولا يعد هذا في صالح المقترض والعاملين فحسب بل وأيضا المقرض والمجتمع بأكمله . كما أنه يمكن أن يعد من ناحية أخرى من المصارف الشرعية للزكاة .                 

2.4  محفظة الأوراق المالية

  1.2.4  إذا كانت محفظة القروض هى النصل أو المحك الرئيسي للعمل المصرفي ، حيث ينبغي أن تمثل الجانب الأكبر من محافظ التوظيف ؛ فإن محفظة الأوراق المالية تمثل الوسادة أو التوظيف المساند لأغراض توفير السيولة وتحقيق عوائد منتظمة وأيضا تسويق منتجاتها المصرفية .    

2.2.4  تتألف محفظة الأوراق المالية من الأسهم والسندات وأذون الخزانة . ويتم الاكتتاب فيها في سوق  الإصدار الأولية أو الشراء من سوق التداول الــــــــــــــثانوية ( البورصة ) ، التي يمكن أن تكون حاضرة أوآجلة للمستقبليات .  ويمكن التمييز داخل هذه المحفظة فيما بين :

* الأوراق المالية التي يتم الاستحواذ عليها بغرض الاحتفاظ وذلك للتحالف مع الشركات التي تمثلها لتحقيق  منافع التكامل الرأسي / أو الأفقي / أو حتى المتنوع Lateral .

* والأوراق المالية التي يتم حيازتها بغرض المتاجرة بها في أسواق الأوراق المالية المحلية او العالمية .                                                                                                                    

3.2.4  وتعد الأسهم  –  وهى بمثابة مشاركات في ملكية الشركات – عملا مشروعا ما دامت تتم في أنشطة مباحة شرعا . وهى  تفقد هذه الشرعية إذا كانت في أنشطة محرمة مثل تصنيع وتجارة الخمور /  المخدرات / القمار / الملاهي الليلية … وتعد من المشتبهات في الأنشطة المكروهة مثل تصنيع وتوزيع الدخان والسجائر … و تنطبق هذه القاعدة على جميع منتجات العمل المصرفي من إيداع أو إقراض أو خدمات مصرفية …

4.2.4  أما السندات وأذون الخزانة فهى تعد بمثابة إقراض محدود الأجل والعائد للشركات والجهاز الحكومي ، وإن كانت تزيد عنه بقابليتها للتداول في السوق الثانوية للأوراق المالية . وخاصية تداول الديون بالبيع والشراء لا يخرج بها عن طابع المشروعية المشار إليه في محفظة القروض طالما أنها تتم دون غرر وبشفافية كاملة وتقابلها أصول عينية . ويمكن أن يضاف إلي هذا ضرورة وواجب تمويل عجز موازنة الدولة وذلك تحقيقا للصالح العام في أداء خدمات الدولة ، ودرءا للضغوط التضخمية التي قد تنجم عن تمويل عجز الموازنة بطباعة البنكنوت .

  [5]

الخدمات المصرفية

1.5  تتيح البنوك مجموعة من الخدمات المصرفية مثل التحويلات / بطاقات الائتمان / خطابات الضمان /الاعتمادات المستندية … وتتقاضى مقابلها أتعابا وعمولات محددة . وتبيع البنوك غالبا هذه المنتجات بشكل متلازمJoint Products   ، حيث يتكامل الطلب عليها مع باقي المنتجات المصرفية : فالتحويلات قد تكون ناجمة عن عمليات إيداع أو إقراض مصرفي / وخطابات الضمان والاعتمادات المستندية تحتاج عادة إلى ودائع مجمدة كما قد تتحول إلى تسهيلات ائتمانية … وهكذا . وهناك في الآونة الأخيرة ابتكارات متوالية من المنتجات المصرفية بنفس السياق.

2.5  والنسق العام للخدمات المصرفية مقابل أتعاب محددة  لا شبهة فيها طالما أنها تقدم لأنشطة مشروعة  ويتم تحديد أتعابها دون استغلال  . وهناك شبهة من عدم المشروعية في الحالات التي تتعمد فيها البنوك تعويق التحويلات المصرفية بهدف الاستفادة  من مبالغها خلال فترة  التعويق ، وهى حالات أصبحت شائعة بالفعل حاليا في العمل المصرفي .

 

 [6]

العاملون في البنوك

1.6  يتقاضى العاملون في البنوك أجورهم نظير التأهيل والمعارف الفنية والخبرات التي يحظون بها . وهو عمل مشروع تماما لا شبهة فيه طالما كان مستوفيا للشروط التالية :                        

( ا ) تلافي الائتمان الاستهلاكي للضروريات ، أو تقديمه كقرض حسن بدون فوائد . 

(ب) تلافي تمويل الأنشطة المحرمة وأيضا المشتبهات .                                               

           وهى حالات لا بد وأن تكون محدودة نسبيا في أعمال البنوك ، وربما تكون أيضا غير محبذة مصرفيا . وبذا فإن الشق الأكبر المشروع من أعمال البنوك يمكن أن يطهر – وفقا للقواعد الشرعية – الجوانب المحدودة المشتبه فيها .                                                                                             

2.6  ولكي  يمكن استكمال المشروعية بالنسبة للعاملين في البنوك ينبغي تحديد أجورهم بشكل عادل لا بد وأن يتكافأ مع إنتاجيتهم الحدية أو مساهمتهم في صافي الدخل ، وعلى ضوء الظروف التنافسية وليست أوضاعا احتكارية في السوق المصرفية . كما ينبغي التمييز بين الأتعاب المؤقتة للمستشارين في عملية الاصلاح المصرفي والأجور الدائمةللعاملين .  وقد تم رصد بعض الزيادات المفاجئة وغير المبررة بالمقارنة بالتطور في الإنتاجية . وهناك أيضا تمييز غير مشروع بين أجور العاملين في البنوك الأجنبية أو المنقولين منها والبنوك المحلية . ونود أن  نحذر بوضوح من المبالغة في هذا المجال  والتي تم رصدها مؤخرا على أنها ضمن دلائل ومحركات الأزمة المالية العالمية الأخيرة .

 

[7]

البنوك الإسلامية

1.7  البنوك الإسلامية تسمية أراها تجارية أطلقتها بعض البنوك على نفسها دون مرجعية محايدة أو مستقلة . وهى تستهدف الفئة العريضة من العملاء التي تتحرج أصلا من التعامل مع البنوك بصفة عامة . وبالرغم من يقيني التام بأنه ينبغي تنقية كافة شئون حياتنا المعيشية من أية شوائب تخالف مبادئ الشريعة  ، فإنه لا ينبغي أن نلصق باجتهاداتنا التفصيلية نعوتا دينية أو عقائدية ؛ لأن هذا يمكن أن يؤدي ببساطة إلى غلق الباب أمام الاجتهادات المخالفة . وعدم الارتياح هنا  يرجع إلى أنها قد تعني بمفهوم المخالفة أن ما عداها ليس بإسلامي .

2.7  وتقوم تجربة البنوك الإسلامية على بعض أشكال من التعاملات كان لها مثيل في عصر النبوة وسكتت عنها الشريعة – دون أن تبتكرها – وهى بالتحديد :

( ا ) إيداع الأموال للإستثمار مع التظاهر بعدم التحديد المسبق للعائد . وقد تبين – كما أشرنا – عدم صحة هذا الإدعاء بالحرص على صرف عوائد تطابق أسعار الفائدة السائدة على الودائع بغض النظر عن النتائج الفعلية  و المعلنة لإجمالي نشاط البنك .                                                                                                     

( ب ) المرابحة : وتعني شراء البنك ” سلع أو معدات أو عقارات ” يحددها العميل ، وإعادة بيعها له فوريا بفارق سعر يعادل – وربما يزيد عن – تكلفة التمويل السائدة . ويحتفظ البنك بملكية هذه السلع حتى انتهاء فترة السداد . وتناظر هذه الآلية بند   ” القروض الموجهة لتمويل شراء  بضائع / معدات / عقارات ” . والعميل هو الذي يشتري بالفعل السلع موضوع المرابحة باسم البنك ويتم تسوية العملية فقط على الورق .  كما أنه لا يوجد أى أساس منهجي لحساب الزيادة المضافة إلى سعر السلعة بخلاف تكلفة الفرصة البديلة للإئتمان   المصرفي . وإذا انطوت المرابحة على استغلال احتياجات ضرورية فقد وقعت بالفعل في شبهة الربا ولن يعفي منها تسمية البنوك لنفسها بالإسلامية .                                                                                                                                                                                             

( ج ) المشاركة : وتعني مساهمة البنك في تمويل المشروعات بشريحة محددة مقابل نسبة مناظرة من العائد . يمكن أن تكون المشاركة متناقصة بحيث يتخارج البنك تدريجيا بالسداد الفعلي للمشاركة . وإذا كانت هناك دراسة جدوى للمستوى المتوقع للعائد ، إلا أنه ليس هناك أى التزام بتحقيق  العائد المتوقع أو أى عائد على الإطلاق . ويذعن البنك لأى عائد يحققه العميل حتى لو كان دون المستوى الحدي أو حتى عجز وخسائر .

( د ) المضاربة : وتعني مشاركة البنك بأمواله مع شريك بالعمل فقط نظير نسبة محددة من العائد . ولا يوجد هنا أيضا أى إلتزام بتحقيق العائد المتوقع أو خلافه . وهذه الآلية لا تعدو أن تكون عقد إدارة نظير أتعاب تتحدد كنسبة  من عائد المشروع .

3.7   باستثناء النشرات والمؤتمرات الإعلامية بهدف تقديم الإطار الفكري والدعاية والاتصال الجمعي ، يمكن القول بأن هناك غيابا شبه كامل للتقييم الموضوعي والمحايد لتجربة البنوك الإسلامية على ضوء الرؤى والتوجهات الاستراتيجية في المجتمع . وربما يعزى هذا إلى الحرج والتخوف من الوصول إلى نتائج غير مواتية قد يساء تفسيرها في موضوع يتم فيه بشكل متعمد خلط العواطف الدينية بالجوانب العلمية والعملية . بينما نرى أن دغدغة المشاعر الدينية والمزايدة عليها في مثل هذه الأحوال يضر بالفعل بجميع الأطراف والجوانب .

ونود أن نستخلص في هذا المجال النتائج التالية :                                       

( ا ) حققت البنوك الإسلامية نجاحا نسبيا في اجتذاب الودائع . ولا يعزى هذا النجاح إلى تميز أوعيتها الإدخارية بقدر ما يعزى إلى تحرج المودعين من شبهة الربا في حالة الإيداع في البنوك العادية . وفي حالة تعميم  تجربة البنوك الإسلامية فإن هذا جدير بأن يفقدها هذه الميزة النسبية .  

( ب ) اضطرت البنوك المركزية إلى الخروج – دون  مبرر – عن القواعد الرقابية المتعارف عليها وذلك بالسماح للبنوك الإسلامية وحدها بإلإتجار في البضائع / المعدات / العقارات في عمليات المرابحة . وهى أمور تخالف طبيعة العمل المصرفي . كما أنها تعرض البنوك الإسلامية للعديد من المحاذير حيث لا يمكن أن تتوافر لها خبرات الاتجار في كل هذه الأغراض على تباينها . ويتحول الأمر عمليا إلى تسوية مستندية لعمليات يتولاها العميل بالكامل ويراقبها  البنك عن كثب دون فهم كامل أو ممارسة فعلية .

( ج ) لن يجد المحلل أية صعوبة  في التعرف على الضعف الواضح في محافظ توظيف هذه البنوك ، بالرغم من أنها المحك الرئيسي لتقييم فاعلية الأداء المصرفي . فالجانب الملموس من هذه المحافظ يتألف من المتاجرة في الأسواق العالمية سواء في التعاملات الحاضرة أو مشتقات المستقبليات  للمحاصيل الزراعية / المعادن / العملات / الأوراق المالية …   وهناك فتاوى عديدة بمشروعية مثل هذه التعاملات ، وهو ما لا نتفق معه وإن كنا لا نريد أن نخوض فيه الآن بشكل مباشر . ولكن إذا كان المال هو مال الله ونحن مستخلفون فيه ؛ فإن الاستخلاف يعني انتفاع المجتمع وتعميره وعدم تصديره إلى الخارج إلا بعد استيفاء احتياجات التنمية المحلية ( دوال التخصيص الأمثل للموارد والرفاهة في المجتمع ) . وهو ما لا ينطبق على هذه التعاملات التي  لا تؤدي سوى إلى فوائد محدودة للغاية بالمعايير المشار إليها .

( د ) التوظيف الفعال في البنوك الإسلامية يتمثل في المرابحات أساسا ، بينما تجيء المشاركات والمضاربات نسبته محدودة للغاية . وكنا قدأشرنا إلى أن المرابحات لا تختلف على الإطلاق عن القروض العادية بضمان بضائع أو عقارات –  تمثل الجانب الأكبر من هذا التوظيف الفعال المحدود . أما المضاربة والمشاركة فتصطدمان بمأزق تغييب المؤشر المرجعي لأسعار الفائدة . وهذا ينعكس في :

* تعذر إعداد دراسات الجدوى أو الجدارة الائتمانية للمشروعات ؛ حيث أنها تعتمد أساسا على القيم الحالية للتدفقات النقدية . والأخيرة لا بد وأن تستند إلى سعر خصم يعادل أسعار الفائدة السائدة كمؤشر لتكلفة الفرصة المضاعة أو العائد عديم المخاطر .

* تعذر توفير الخبرات اللازمة لمتابعة الأنشطة المتباينة ، خاصة في مرحلة المساومة على تحديد العائد الفعلي للبنك من المضاربة أو المشاركة .

* قرار مساهمة البنك في عمليات المضاربة أو المشاركة ينبغي أن يستند إلى نتائج متوقعة مواتية يقبل بها البنك بغض النظر عن أسس حساب معايير القبول هذه . ويمكن بطبيعة الحال أن ينخفض العائد الفعلي عن المتوقع  وبالتحديد عن مستوى الكفاية الحدية للإستثمار سواء بسبب الإهمال أو سوء التوقعات والإدارة أو الظروف  غير المواتية . وبالرغم من أن المنتج يكون قد أصبح دون الحدي ، إلا أنه يواصل مسيرته التي يشاركه فيها البنك دون عقاب . بينما يمثل سعر الفائدة – كسائر أسعار عناصر الإنتاج – حدا للعقاب رادعا للإهمال وعدم الكفاءة .  وبذا يسمح هذا التنظيم  بإهدار الموارد المالية  لغير مستحقيها ، ودون توفير آلية لإيقاف نزيف تكلفة مثل هذه الفرصة المضاعة . 

” ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما … ” النساء / 5

(هـ) هناك جدل قانوني محتدم بل وربما يصعب حسمه فيما بين البنوك الإسلامية وفقهاء ومسئولي الجهات الضريبية في العديد من دول العالم حول مدى خضوع أرباحها لضريبة الدخل قبل أو بعد خصم العائد المستحق للمودعين ، والذي يعد تكلفة واجبة الخصم في البنوك العادية . وإذا كانت هذه التكلفة تمثل بالفعل عدة أضعاف الوعاء الضريبي العادي للبنوك ، فإن هذا لابد وأن يؤدي في النهاية إلى اضعاف الموقف التنافسي للبنوك الإسلامية . بينما تري الجهات الضريبية أن هذه البنوك تريد أن تظهر وكأنها  توزع  صافي أرباحها فيما بين   المودعين والمساهمين على السواء . كما أن الواقعة المنشئة لتوزيع العوائد على المودعين هى تحقيق صافي أرباح في نتائج أعمالها ، فهى غير ملزمة كالبنوك العادية بل ويمكن أن تمتنع تماما عن دفع أية عوائد للمودعين في حالة عدم تحقيق أرباح .                                                                                                                                                                                 

4.7   مما سبق يمكن استخلاص أن تعميم تجربة البنوك الإسلامية بالمعنى الحالي يمكن أن يؤدي ببساطة إلى الإحجام عن توظيف السيولة المحلية . فعلى سبيل المثال تشير نتائج أعمال أكبر بنك اسلامي يعمل في مصر عن عام 2010 إلى أنه بالرغم من نجاحه في اجتذاب نحو 29 مليار جنيه كودائع من العملاء تمثل أكثر من 91% من اجمالي الميزانية ؛ إلا أنه لم ينجح في توظيف سوى 10% منها فقط للعملاء ، بينما اضطر إلى توجيه 35% للتوظيف في بنوك أخرى!!،50% للاستثمار في أوراق مالية محلية وأجنبية . ويسهل بطبيعة الحال الاستدلال على الضعف البالغ لفاعلية هذا النمط السائد لمحافظ التوظيف في البنوك الاسلامية . وهو ما لابد وأن يؤدي في النهاية إلى تعميق مظاهر الركود والبطالة … ومن ثم إضعاف المجتمع الإسلامي .

  [8]

خاتمة

1.8  تشير تحليلات الدراسة الحالية إلى أنه يمكن تحقيق المشروعية للبنوك بمجرد تنقيتها من الشوائب التالية :

أولا   تلافي الائتمان الاستهلاكي  للضروريات الحالة ، والتي تنطبق عليها أركان شبهة الربا . ونقترح  تدوير تنظيم تمويل مجاني  بإسم           ” صندوق ميسرة ”  لتقديم الائتمان الاستهلاكي للضروريات كقرض حسن بدون أية فوائد أو مصروفات . ويمكن تدبير موارد هذا الصندوق بمجرد تخفيض الودائع الإلزامية للبنوك بالعملة المحلية من 14 إلى 13% وتوجيه الفرق لموارد الصندوق بجانب امكانية التلقي الاختياري لأموال  الزكاة .

ثانيا –  الامتناع تماما عن  تمويل الأنشطة المحرمة ( مثل الخمور والقمار والملاهي الليلية … ) وأيضا المشتبهات ( الدخان والسجائر … ) .

ثالثا – الإفصاح الكامل والشفافية في توفير وتحديث المعلومات عن ” الكفاية الحدية للإستثمار ” سواء على المستوى القومي / أو الإقليمي / أو القطاعي …

رابعا –  إتاحة الفرصة للبنوك للمنافسة على الربط بين هياكل أسعار الفائدة والكفاية الحدية للإستثمار من خلال أدوات البنك المركزي . وهى  ينبغي أن تبتعد تماما عن التحديد الإداري لهياكل أسعار الفائدة وإعادة الخصم ، والني نرى أنها تدورحاليا في مستوى أعلى من مستوى الكفاية الحدية للاستثمار . ونرى بضرورة الاتجاه فقط إلى تصفية أية فروق بينهما بالشفافية وتشجيع البيئة التنافسية .

خامسا –  إعمال قواعد الحوكمة بجانب أدوات رقابة البنك المركزي في مقاومة الاحتكار والاستغلال وتفعيل الآليات التنافسية في تحديد أسعار الفائدة وأتعاب الخدمات المصرفية وأيضا عدم السماح بالتأخير المتعمد في التحويلات المصرفية .

سادسا –    إنشاء تنظيم تعاوني فيما بين البنوك نقترح له اسم ” اتحاد تأهيل الغارمين ” يمكن السماح له بالتلقي الاختياري لجانب من أموال الزكاة . ويمكن أن يتولى  هذا التنظيم تبني برامج الاصلاح الاقتصادي للمشروعات المتعثرة ( إعادة هيكلة / إعادة تأهيل / إعادة هندسة / تصفية ) ويمكن أن يستند هذا التنظيم إلى التقنيات المستحدثة التي أتاحتها مؤخرا ” صناعة رأس المال المخاطر ” . ولن تكون هذه المعالجة في صالح المستثمرين والعاملين فقط ، بل وأيضا البنوك والاقتصاد القومي  برمته .

 2.8 العمل في البنوك يعد مشروعا حتى قبل تلافي الشوائب المشار إليها . وهذا يرجع إلى  أنها لا تمثل سوى جانبا محدودا من أعمال البنوك وفقا للقاعدة الشرعية ” المشروع السائد يطهر الشبهات اليسيرة ” . وإن كان ما زال علينا في هذا المجال تلافي المغالاة والتمييز في أجور العاملين في البنوك ، والربط بينها وبين إنتاجيتهم الحدية والتي تتمثل في مساهمتهم في صافي الدخل ، وعلى ضوء الظروف التنافسية في السوق المصرفية .  

3.8  أشارت الدراسة التحليلية إلى ضعف فاعلية تجربة البنوك الإسلامية بمعناها الحالي سواء من حيث التغييب الظاهري للمؤشرات المرجعية في العمل المصرفي ، أو عدم الاختلاف عن البنوك العادية ، أو الإحجام عن التوظيف الفعال في إطار دوال التخصيص الأمثل للموارد /  و الرفاهة في المجتمع .

 

 

         

                            د . محمد فخري مكي

                 أستاذ نظم المعلومات والأساليب الكمية

                    كلية التجارة – جامعة الزقازيق

                          mfmakky@gmail.com